السبت، 2 يونيو 2012

عصر القرافي رحمه الله


عصر القرافي رحمه الله
الباحثة : فوزية بنت هاجس الشمري
عاش الإمام القرافي ـ رحمه الله ـ في مصر، في الفترة الواقعة بين عامي
(626-684هـ) أي: في القرن السابع الهجري.
وأستعرض ـ بإيجاز ـ الحالة السياسية والعلمية في ذلك العصر:
أ ـ الحالة السياسية ([1]):
لقد كان القرن السابع من أخطر القرون التي مرّت بالإسلام، وللحديث عنه نبدأ بالمغرب ـ الذي هاجر منه أهل القرافي ـ فقد اتصف هذا القرن بسقوط دولة وصعود أخرى، فدولة الموحدين التي أسسها عبد المؤمن بن علي الكومي عام (524هـ) تزداد ضعفاً بسبب تفاقم الخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة طلباً للانفراد بالسلطة، إلى أن انهارت سنة (668هـ)، ثم ظهرت دولة بني مرين، ولم تمض مدة طويلة على بسط نفوذها ومحاولة استعادة ما ضاع من مدن الأندلس، التي كانت تسقط مدينةً مدينة بأيدي النصارى حتى حصلت خيانة من بني الأحمر الذين استولوا فيها على مالقة، وتحالفوا مع النصارى ضد السلطان المريني.
وقد أدت تلك الأحوال السياسية إلى زيادة هجرة أعلام المغرب والأندلس إلى المشرق الإسلامي دون عودة.
أما في بلادالشام: فقد كانت الحروب الصليبية قائمة في أوجها،إلى جانب الخطر الذي يلحق بها من التتار.
وفي بغداد: كان أمر الخلافة يسير إلى الاضمحلال، إلى أن سقطت بغداد سنة (656هـ) وقد كان الخليفة في ذلك الوقت المستعصم بالله العباسي، وكان له وزير يدعى ابن العلقمي كان شيعيا رافضياً بذل جهداً كبيراً في إسقاط الخلافة، فعليه من الله ما يستحق، حيث أصيبت بغداد بكارثة كبيرة ، بلغ بها الدمار، ووصل عدد القتلى نحو المليونين. وتغير نهر دجلة واسود لونه، بسبب مداد مئات الآلاف من الكتب المصنفة التي رميت فيه.
أما في مصر ـ حيث عاش القرافي ـ فقد كان ملوك بني أيوب مفترقين بعد وفاة مؤسس الدولة الأيوبية المجاهد صلاح الدين الأيوبي ـ قدّس الله روحه في الجنة ـ والذي توفي سنة (589هـ) بعد أن حرر بيت المقدس من أيدي النصارى في موقعة حطين الشهيرة عام (583هـ).
وما لبث أن اشتد الصراع على الملك بين الأبناء والعم العادل، ومن ثم بين أبناء العادل وأبناء صلاح الدين.
 وقد ولد القرافي في عهد الملك الكامل بن الملك العادل الذي حكم مصر من عام (616هـ) إلى عام (635هـ)،حيث اتصف بكمال عقله وعلو فهمه ، فأحب العلماء وقرّبهم واتصف بالعدل والإنصاف، كما كانت له اليد البيضاء في رد ثغر دمياط إلى المسلمين بعد أن استحوذ عليه الإفرنج.
ولما توفي تولى بعده ابنه العادل الصغير.
وفي عام (636هـ) ركب الصالح نجم الدين أيوب من دمشق قاصداً الديار المصرية ليأخذها من أخيه العادل، فتم له ذلك، وحكم مصر مدة عشر سنين، لكنه أثناء استعداده لقتال الصليبين الذين استولوا على الدمياط أصيب بمرض وتوفي في عام (647هـ) وأخفت جاريته شجرة الدرموته، وأعلمت أعيان الأمراء فأرسلوا إلى ابنه الملك توران شاه فملّكوه عليهم وبايعوه، فقاتل الصليبيين وهزمهم، لكن مماليك أبيه بعد ذلك غدروا به وقتلوه بعد شهرين من ملكه، وبمقتله عام (648هـ) انتهت دولة الأيوبيين وقامت دولة المماليك، والتي بقيت في الحكم نحو القرنين من الزمان، وانتهى حكمها باستيلاء الأتراك العثمانيين على السلطة عام (922هـ).
ومن أشهر ملوك دولة المماليك الذين عاصرهم القرافي: الملك أيبك زوج شجرة الدر، بعد أن تنازلت له عن الحكم فجعل البلاد المصرية تابعة للخلافة العباسية في بغداد ليتم له تأسيس دولة المماليك على قاعدة متينة.
وبعد موته تولى الخلافة سيف الدين قطز سنة (657هـ) والذي استطاع كسر شوكة التتار،حيث أرسل ركن الدين بيبرس لطرد التتار من حلب، ووعده بأن ينيبه عليها، لكنه أخلف وعده، فعمل بيبرس على قتله، واستلم الخلافة بعده، ولُقّب بالظاهر، فأعفى الناس من الضرائب، وقام بمطاردة الصليبيين وإجلائهم من الشرق الأدنى، واستعاد الحصون الإسلامية منهم واحدة بعد الأخرى، بداية من مدينة قيسارية ثم صفد ثم يافا ثم طرابلس ثم أنطاكية.
ولما مات الظاهر بيبرس تولى ابنه السعيد الحكم ، وبعد أقل من سنة خلعه المماليك من السلطة وبايعوا أخاه الملك العادل، وكان عمره سبع سنين، وبعد مدة قصيرة خلعوه ونفوه وبايعوا سيف الدين قلاوون ولقبوه الملك المنصور والذي ضيّق على الصليبيين إلى أن تم إجلاؤهم من الشام، وكان آخر عظماء دولة المماليك وقد استمر الحكم في بيته بين أبنائه وأحفاده إلى أن سقطت دولة المماليك.
ويمتاز عهد المماليك بأنهم ساروا فيه على سيرة الأيوبيين، وذلك بجهاد الصليبيين والتتار.
ب ـ الحالة العلمية:
يلحظ أن القرن السابع الهجري اتسم بكثرة الأحداث السياسية التي تعرضت لها البلاد الإسلامية من صراعات داخلية وخارجية، ومع ذلك نجد أن الحياة العلمية لم تتأثر بذلك كثيراً، لعدة أسباب منها:
1ـ اهتمام الخلفاء والسلاطين بالعلم، وتشجيعهم للعلماء، فقد ورد في كتب التاريخ أن الملك العادل حضر افتتاح المدرسة التي أسسها، وجلس لاستماع درس القاضي جمال الدين المصري ([2]).
2ـ وجود عدد كبير من مراكز العلم وخاصة في مصر، مثل المساجد ودور الكتب والمدارس، فقد تميّز العصر الأيوبي بإقامة عدد من هذه المنشآت.
ومن أشهر المساجد: جامع عمرو بن العاص، والجامع الأزهر ([3]).
ومن أشهر دور الكتب: خزانة الكتب التي كانت موجودة أيام الملك صلاح الدين، ويقال: إنها كانت أعظم دار للكتب، حيث يوجد فيها ما يزيد على مائة ألف كتاب في جميع العلوم ([4]).
وكذلك خزانة الصاحبية التي ذكر القرافي أنه أفاد منها ([5]).
ومن أشهر المدارس في مصر:
1ـ المدرسة الناصرية.
2ـ المدرسة القمحية، وكانت للمالكية.
3ـ المدرسة القطبية، وكانت للشافعية.
4ـ المدرسة السيوفية، وكانت للحنفية.
5ـ المدرسة الفاضلية، وكانت للشافعية والمالكية.
6ـ المدرسة العادلية، وهي للمالكية.
7ـ المدرسة الصاحبية، وهي للمالكية، وفيها دَرَس القرافي.
8ـ المدرسة الصالحية، وهي للمذاهب الأربعة، وفيها دَرَّس القرافي.
9ـ المدرسة الطيبرسية، وهي للمالكية والشافعية، وقد درّس فيها القرافي.
10ـ المدرسة الظاهرية ([6]).
هذا إلى جانب ما تمثل في هذا العصر من ظهور العلماء في جميع المذاهب.
وهذا كله يفسر تنوع معارف القرافي، وما تميز به من العلم الشرعي، بالإضافة للعلم العقلي كالرياضيات والهندسة وعلم التشريح، ونحوها
نقلا من كتاب :

« الفروق في القواعد والضوابط الفقهية عند الإمام القرافي ـ رحمه الله ـ في غير العبادات والمعاملات، جمعاً وتوثيقاً ودراسة ».
للباحثة :
فوزية بنت هاجس الشمري



([1]) انظر : الكامل لابن الأثير (12/628) وما بعدها، والبداية والنهاية لابن كثير (17/70-598) والحركة الصليبية لسعيد عاشور، ومقدمة الدكتور/ أحمد الختم عبد الله لتحقيق: العقد المنظوم في الخصوص والعموم (1/12-18)، والفروق للقرافي وحظه من اهتمام علماء المالكية، للدكتور/ المفضل خليل المومني
(11-27)، وولاة دمشق في عهد المماليك لمحمد أحمد دهمان.
([2]) انظر : البداية والنهاية (17/112).
([3]) انظر : حسن المحاضرة (0177-184).
([4]) انظر : الخطط للمقريزي (138-140).
([5]) انظر : شهاب الدين القرافي حياته وآراؤه الأصولية للدكتور/ عياض السلمي (48، 49).
([6]) انظر : الخطط للمقريزي (49، 53، 54، 115، 133، 162، 338، 340) وحسن المحاضرة للسيوطي (184-194) والفروق للقرافي وحظه من اهتمام علماء المالكية للمفضل (33-42) وشهاب الدين القرافي حياته وآراؤه الأصولية (47-53) والقواعد والضوابط الفقهية للدكتور/ عادل قوتة (1/73،74).

هناك تعليق واحد: